القاهرة في 26 يوليو 2007 م
الاسلام الحضارى 2007-05-28_E33283A7-9599-4CE7-98B0-48EEB4F56BAE عندما سُئل الشاعر -(اليساري أحمد فؤاد نجم)- هل تواظب على الصلاة والصيام وبقية العبادات أجاب قائلا :" أنا مسلم حضاري يعني آخذ من الإسلام القيم الإنسانية العامة مثل كرامة الإنسان وحريته والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والأخلاق الطيبة فالمسلم الحضاري لا يهتم بالعبادات الفردية إنما بالعبادات القلبية والمبادئ التي تسير على كل البشر دون تفرقة " ..انتهى كلام نجم .

يقول أحد جهابذة العلمانية : " الإسلام الحضاري يدعو إلى فض الاشتباك بين العروبة والإسلام وإقامة جسر من التواصل بدلا من العداء بين القوميين والإسلاميين من خلال الإطار الحضاري ، وإزالة الميراث السلبي الذي خلفته فتاوى تجريم القومية العربية وأيضا إغلاق باب (التكفير) لإقامة منتدى حواري يعلي من قيمة الاجتهاد ويعترف بالحق في الاختلاف وتعدد الآراء ، ويعلي من قيمة العقل الواعي على النقل الجامد ويسعى لاستعادة النهضة والخلاص من التبعية والتخلف." انتهى كلام الجهبذ...

يقول رئيس الوزراء الماليزي مطمئنا أمريكا والغرب عن مشروع الإسلام الحضاري الذي تطبقه حكومته :"الإسلام الحضاري ليس دولة دينية ، فهو لا يتعارض مع الديمقراطية الغربية فهو دين بلا سياسة يشمل كل البشر ويقبل كل الحضارات في منظومته". انتهى كلام رئيس الوزراء الماليزي.

يفرق أحد "فقهاء الإسلام الحضاري" بينه وبين "الإسلام السياسي" فيقول:"(الإسلام الحضاري يبدأ من أسفل إلى أعلى عكس السياسي فهو يبدأ من أعلى إلى أسفل،والحضاري يبدأ من القاعدة إلى القمة ومن الجمهور والقرى إلى القادة والساسة بطريقة منظمة ومتدرجة وبالتركيز على الأولويات حيث العبرة بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والعبارات ) .انتهى كلام الفقيه الحضاري .

يفهم من كلام "الجهابذة والفقهاء"السابقين أن هذه دعوة إلى إسلام مفرغ من محتواه يلتزم إطارا اسميا لا يطبق أصول الشريعة وحدودها ولا يلتزم بالجهاد ولا بالنظام السياسي والإجتماعى والاقتصادي المميز للإسلام فهو يطبق النظام الغربي في السياسة والاقتصاد والاجتماع ويدعي أنه يبع الأمور العامة للبشرية التي جاء بها الإسلام . إذا أخذنا الإسلام على إنه هذا الإطار المائع الذي يتبع الغرب مع قشرة اسمية إسلامية-ذرا للرماد في العيون- يتخلى فيها من يريد عن العبادات ولا يطلق عليه كافر لأنه مسلم حضاري ! وهذا الدين الحضاري المزعوم يأخذ بالقصص والحكايات ويترك جوهر الإسلام .

توابع"الإسلام الحضاري" :

أولا : اختراع ما يسمى "بالفقه الحضاري": باعتباره علما ( شرعيا جديدا ) يطرح فيه الغرب تصوراته لتطوير الإسلام بما يتفق مع رؤاها، كتب أحد أدعياء الفكر الإسلامي الوسطى الحضاري يقول :"الفقه الحضاري فقه يعني بالأمور الكلية المطردة التي تشمل قطاعات كبيرة من البشر ، ربما تكتنف البشرية كلها ، وهو حسن الفهم للمسألة الحضارية برمتها وللمسائل المتفرعة عنها بما فيه من تكليف كلي وتنظيمات وتأسيسات داخل الحضارة الواحدة وفيما بين الحضارات . والفقه الحضاري يبدأ بالقبول والاستيعاب الحضاري للقضايا والقيم والأفكار من الحضارات الأخرى مع الإدراك الحضاري لمنزلة قضايا الحضارات بين المقاصد والوسائل ، والعام والخاص ، والعالميات والخصوصيات ، إلى أن يصل هذا الفقه إلى توجيه السلوك البشري.) انتهى كلام الفقيه المتحضرج.

ثانيا :اختراع ما يسمى بأصول الفقه الحضاري:

على غرار علم الفقه وعلم أصول الفقه في العلوم الإسلامية ، يقول أحد المتفيهقين حضاريا: ( أ صول الفقه الحضاري هي مصب لعدة عناصر :لناظم معرفي يتمثل الجمع بين "قراءة الوحي وقراءة الكون " ولآليات توليد فكري عمادها "الاجتهاد والتجديد "،ولتكامل المنهج بالجمع بين "فقه النظر"و "فقه الواقع"،و"فقه التنزيل".،وفي إطار هذا التأصيل لفقه حضاري يستوعب المسائل العالمية الكبرى المطروحة اليوم " من قبيل :العولمة ،العالمية ،الأمن الدولي،النظام العالمي،حقوق الإنسان،مشكلات البيئة التي تهدد البشرية كلها،في طي ذاك تبرز الحضارة الإسلامية). انتهى كلام فقيه الإسلام الحضاري.

بعد هذا الطرح الموسع الذي يحاول بكل السبل أن يبعد المسلمين عن حقيقة الإسلام وشريعته يمكن أن نفهم أغراض إثارة هذا المصطلح ومن يقفون خلفه ، والتي تتركز في :بلبلة أفكار المسلمين حول القرآن والسنة والعلوم الإسلامية المتعارف عليها من قبل الأمة واستحداث علوم ومصطلحات وألفاظ جديدة بعيدة عن فهم وتفسير واستخدام السلف، يتم عن طريقها الدخول إلى القرآن والسنة وإعمال التعديل والتحريف فيهما بما يتوافق والأهواء والـتأويلات الغربية ، فمثلا ما هو الفرق بين الوحي والتنزيل ؟ وما هي طبيعة قراءة الكون المزعومة؟وما هو فقه النظر والفرق بينه وبين الفقه التقليدي الذي أخذناه عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ومن الذي سيعمل الاجتهاد ويحدث التجديد؟ وهل هذا الاجتهاد سيكون مع وجود النص أم بعيدا عنه وفي إطار المستحدثات والبدع والتأويلات العقلية العلمانية؟ وقبل كل هذا وذاك ما هو المقصود بالحضارة الإسلامية ؟ وهل هناك ما يسمى بالمسيحية الحضارية واليهودية الحضارية؟ وما هو الفرق بين الدين الإسلامي والإسلام الحضاري؟


ثالثا : الإسلام الحضاري ومشروع النهضة الماليزي:

طرح رئيس وزراء ماليزيا( داتوا سري عبد الله أحمد بدوي)مشروعا لنهضة الأمة يقول:" إنها على هدي تعاليم الإسلام ، وذلك من أجل استعادة دور الحضارة الإسلامية ، ويسمى هذا المشروع ب ( الإسلام الحضاري) وهو اصطلاح يقصد به المنهج الحضاري الشامل لتجديد الإسلام في ماليزيا ، ويستخدم كمحرك للأمة نحو التقدم والتطور والريادة والإنسانية".كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي الأخرى المتواجدة حاليا كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية فضلا عن جماعات العنف والتكفير . ويحدد عبد الله بدوي الأسباب التي دفعته لطرحه هذا فيقول: "إن الإسلام الحضاري جاء لنهضة وتقدم المسلمين في الألفية الثالثة ، ومن أجل المساعدة على( دمجهم في الاقتصاد الحديث – "اقتصاد السوق ،والجات ،ومنظمة التجارة العالمية)- كما أنه يصلح أن يكون الترياق للتطرف والغلو في الدين ، وذلك لأنه يشجع على التسامح والتفاهم والاعتدال والسلام. وفي بلد متعدد الأعراق والثقافات فإن الإسلام الحضاري يهدف لمصلحة الجميع على اختلاف عقائدهم وأديانهم و أعراقهم ، ويضيف: من المؤكد أننا كمسلمين يجب أن نعامل غير المسلمين بالحسنى والإنصاف والمساواة، مشيرا إلى أن هذا المشروع سوف يؤدي إلى الامتياز والتفوق وسيكون مصدرا للفخر ولاعتزاز ليس للمسلمين وحدهم وإنما لغير المسلمين أيضا" . انتهى كلام رئيس الوزراء الماليزي.

ستتضح الصورة بشكل أكبر بعدما نتعرف على المبادئ العشرة للإسلام الحضاري (وهي: (الإيمان بالله وتحقيق – الحكومة العادلة والأمينة "عن طريق الديمقراطية والحرية في الاختيار-حرية واستقلال الشعب- التمكن من العلوم والمعارف-التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة- تحسين نوعية الحياة- حفظ حقوق المرأة – حفظ حقوق الأقليات-القيم الثقافية الحميدة والأخلاق الفاضلة-حفظ وحماية البيئة-تقوية القدرات الدفاعية للأمة ) أما مظاهر الإسلام الحضاري فيحددها في Lالعالمية –الربانية –الأخلاقية – التسامح-التكامل-الوسطية-التنوع - الإنسانية ).

عناصر الإسلام الحضاري، يحددها في عشرة عناصر هي (التعليم الشامل- الإدارة الجيدة-التجديد قي الحياة-زيادة جودة الحياة-قوة الشخصية-الحيوية والنشاط-الشمول والسعة-العملية والواقعية-الاستقلال وعدم التبعية-تعزيز المؤسسة الأسرية)ثم يحدد رئيس الوزراء الماليزي التحديات التي تواجه المشروع بست تحديات هي ( الجمود والتقليد - التطرف – الانعزال والرهبانية-العلمانية-أحادية المعرفة-الضعف في إدارة الوقت).

واضح أن هذا المشروع يصلح لأي دولة ولأي أمة مهما كانت عقيدتها فأين التميز الإسلامي في المشروع؟

رابعا:الإسلام الحضاري وإصلاح المؤتمر الإسلامي:

وافقت لجنة من كبار الخبراء بمنظمة المؤتمر الإسلامي على اعتبار مفهوم" الإسلام الحضاري "، الذي طرحه رئيس الوزراء الماليزي أمد عبد الله بدوي ، هو الأساس الذي تبنى عليه الخطط الرامية لإصلاح المنظمة التي تضم جموع المسلمين في أنحاء العالم . وذكرت وكالة الأنباء الماليزية "أن المناقشات شهدت جدلا قويا مفاده أن وقت إصلاح ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي قد حان ليكون مبررا في مواجهة الأوضاع العالمية المتغيرة.


وقد بررت لجنة الخبراء في المنظمة سبب قبولها للمشروع لأنه برنامجا وليس أيديولوجية جديدة ولا تيارا متطرفا في الفكر الإسلامي بل نجا جديدا لقيادة المسلمين لا يتعارض والواقع الإسلامي والدولي.

يا أتباع الإسلام الحضاري المزعوم يقول الله تعالى:"(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) ، فبدأ بالعبادة ثم ثنى بالحياة مطلقة فهذه الحياة يجب أن تكون لله تعالى في كل مجالاتها فإن النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية يجب أن تكون تعبدية لله أما الذين يريدون تفتيت الإسلام وتجزيئه بغرض إقصاؤه وتذويبه في النظريات الغربية فسيخذيهم الله ويفشل مكرهم ، إنما الإسلام بكليته وشموله. كتلة واحدة ومنظومة واحدة ولا يأتي لعلاج عيوب أنظمة أخرى بل يٌؤسََسَ له من الجذور حتى الفروع والأوراق والثمار ، ( شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).